ما هو المال؟ نشأته … خصائصه … تطوره!

تاريخ النشر:

barter system to banknote and paper money illustration

المقدمة

لكي تبدأ في إدارة أموالك الشخصية، عليك أولًا أن تقف على تعريف المال وفهم وظائفه ومن أين يكتسب قيمته ليتكون لديك الحدس أو المعرفة الفلسفية المحيطة بالأمر فتجد عند ذكر كلمة المال سواء كان اكتسابًا أم إنفاقًا فإنه سرعان ما يتبادر إلى ذهنك العملات النقدية التي نعرفها في يومنا الحالي ولكن هل كانت تلك هي الصورة الدائمة للمال؟ وإن لم تكن، فكيف كان حالها إلى أن وصلنا لشكلها الحالي؟ وهل تملك العملات الورقية الحالية قيمة في ذاتها؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في المقال.

نشأته … كيف ومتى ظهرت الحاجة إلى النقود؟

مع بداية تطور المجتمعات البشرية وانتقالها من حياة الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والاستقرار، بدأ الناس يشعرون بالحاجة إلى تبادل الفائض من إنتاجهم للحصول على سلع أخرى يحتاجونها. فيذهب المزارع بقدر من محصول قمحه إلى الحداد ليحصل على فأس حديدة يتم بها أعمال الزراعة ولكن هنا يتبلور أمر في غاية الأهمية ألا وهو … أنه من أجل أن تتم تلك المقايضة لابد من تحقق رغبة كل من الطرفين في نفس الوقت، فلابد من رغبة المزارع في بيع القمح وشراء الفأس الحديدة كما تتواجد الرغبة المنعكسة عند الحداد وهي الرغبة في شراء القمح وبيع الفأس الحديدة. ومثل هذا التزامن يصعب حدوثه وهذا هو التحدي الأول.

الآن فلنفرض أن الحداد أراد أن يحلق شعره، فنجد في هذه الحالة تفاوت كبير في القيمة بين كل من السلعة والخدمة المقدمة ولا يمكن تقسيم الفأس الحديدية لمثل هذه الخدمة، وهذا هو التحدي الثاني.

ولعل الحداد أراد شراء بعض البيض، فنجد أن كمية البيض التي يمكن مقايضتها بالفأس كبيرة جدًا تزيد عن حاجة الحداد والتي قد تفسد مع مرور الوقت، وهذا هو التحدي الثالث.

تعريفه طبقًا لخصائصه

من هنا ظهرت الحاجة إلى وسيط للتبادل يختزن القيمة، ويعمل كوحدة حساب لها. وهذا هو تعريف المال من منظور خصائص

1. وسيط للتبادل

وهذا يعني أن يشيع قبول المال كوسيلة للدفع، وأن يكون قابل للتقسيم لأجزاء أصغر.

2. يختزن القيمة

أي يمكن بسهولة تخزين الأموال واسترجاعها واستخدامها في وقت لاحق. وعلى الرغم من كون المال مخزنًا فعالًا للقيمة، إلا أن المال ليس مخزنًا مثاليًا. حيث يؤدي التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للمال بمرور الوقت.

3. يعمل كوحدة حساب

ببساطة أن يستخدم كوحدة محاسبية للتقيم، فبدلًا من أن نقول أن هاتفك الذكي يساوي 25 أردب من قمح نقول أنه يساوي 1,000 دولار.

تطوره … كيف وصلنا للعملات الورقية

بعد ظهور الحاجة للمال في عالم المقايضة، لجأ الناس إلى استخدام أنواع مختلفة من المحاصيل وصدف البحر والملح كوسائط للتبادل ولكن كانت تمر بتحديات متعددة مثل أن تفسد الحبوب نتيجة طول مدة التخزين. إلى أن تم اكتشاف المعادن، وحينئذ تم استخدام الذهب والفضة والبرونز كعملات معدنية نقدية.

وبمرور الزمن ظهرت تحديات أخرى للعملات المعدنية من صعوبة نقل الكميات الكبيرة للتجارة والخوف من السرقة، فلجأ الناس إلى إيداع ما يمتلكوه من ذهب وفضة لدى البنوك على أن يتم إصدار ورقة من البنك بقيمة ما تم إيداعه، وهذه كانت بداية ظهور العملات الورقية (البنكنوت Banknote)، ولكن كان يتم إصدار هذه البنكنوت بصورة محلية تبعًا للبنك المحلي ومع توسع التجارة أصبح من الصعب تبادل البنكنوت الخاصة بمنطقة معينة مع مناطق أخرى لاختلاف البنك المصدر لها. إلى أن تم إنشاء البنوك المركزية لتقوم بعملة إصدار بنكنوت موحدة يشيع قبولها كوسيط للتبادل.

حتى هذه اللحظة كانت العملات الورقية تتمتع بميزة قوية ألا وهي أنها تمثل قيمة حقيقة لذهب مودع في البنك، وظل الحال هكذا حتى قام الرئيس الأمريكي نيكسون في عام 1971 بإلغاء إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب أو أصول احتياطية أخرى، لتصبح العملات الورقية التي نحملها الآن "مسألة ثقة" 😀.

الخاتمة

بدأنا رحلتنا في عالم المال من أقدم الأنظمة التبادلية وصولاً إلى الأنظمة المعقدة التي نستخدمها اليوم. لقد شاهدنا كيف تطور المال من مجرد سلع للتبادل إلى نظام قائم على الثقة، حيث تمثل العملة الورقية اليوم وعودًا بدفع قيمة ما في المستقبل. ولكن، هل هذه الثقة مبررة دائمًا؟ وما هو الأساس الذي نبني عليه هذه الثقة في الأنظمة النقدية الحديثة؟ في مقالنا القادم، سنبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، وسنحاول تحديد المنظور المناسب الذي يجب أن نتبناه تجاه المال في حياتنا.